هناك أمراض عافانا الله وإياكم شاذة ونادرة لدرجة قد يتخرج الطبيب ويتقاعد ولم يقرأ عنها أو يسمع بها أصلا.. ولأنني سبق وكتبت مقالا بهذا المعنى سأنتقل مباشرة الى مرض غريب دخل مؤخرا دائرة الاعتراف الطبي تحت إسم "الأرق المميت" .. وهو مرض نادر كان الأطباء ينظرون إليه حتى وقت قريب كأحد أعراض القلق والإجهاد النفسي حتى اتضح مؤخرا أنه مرض عضوي يصيب الدماغ وتتوارثه عائلات معينة.. ويعتقد أن أولى الحالات الموثقة تلك التي رصدها الطبيب الايطالي إيجنازيو رويتر عام 1984 حين اكتشف وفاة ثلاثة أفراد من عائلة واحدة بسبب قلة النوم ومع هذا تأخر الاعتراف بوجوده بسبب ندرته وعدم اكتشافه إلا في 28 عائلة حول العالم فقط...
ولا أخفي عليكم ، الاعتراف رسميا بوجود هذا المرض سبب لي أرقا مباشرا .. فكثيرا ما أقرأ أخبارا عن أشخاص لا ينامون على الإطلاق أو لم يذوقوا طعم النعاس في حياتهم، وفي كل مرة أفترض وجود تلفيق أو مبالغة بالخبر كون النوم مطلبا أساسيا للإنسان يستحيل العيش بدونه (وفي الحقيقة يموت الانسان بسبب قلة النوم قبل موته بسبب قلة الطعام)..
.. ولكن من جهة أخرى يجب أن نميز بين ادعاءات عدم النوم على الإطلاق، وبين الأرق أو النوم بشكل إغفاءات قصيرة.. فالأرق يعني التأخر في الدخول بالنوم (بعد وضع رأسك على الوسادة لأكثر من 20 دقيقة) ويتراوح بين حالات خفيفة، ومتوسطة، وشديدة قد تتواصل حتى الصباح ..
... وحتى وقت قريب كان معظم أسباب الأرق يُعاد لأسباب نفسية (مالم تكن نتيجة آلام مرضية كالتهاب المفاصل مثلا).. ورغم إمكانية وصف أدوية خاصة بالنوم إلا أن مشكلتها تكمن في إدمانها ووجود آثار سلبية لتركها (ناهيك عن منحنا نوعية غير جيدة من النوم لا تتضمن فترة الأحلام المهمة)..
وفي حال كان الأرق عرضيا ومؤقتا (كما يحدث مع معظم الناس) فلا يسبب أكثر من مشاكل سلبية عابرة ، أما في حال كان مزمنا ومتواصلا فيترتب عليه مشاكل عقلية ونفسية وجسدية قد تنتهي بالموت قبل أن يتاح لأي طبيب الكشف عليه أو لأي صحيفة الكتابة عنه (فسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم) ! فخطورة الأرق تكمن في أن النوم (حالة تعويضية) نحتاجها لانجاز وتدارك عمليات جسدية وعقلية مهمة.. فهناك مثلا هرمونات كهرمون النمو لا تفرز أو لاتكون بأوج نشاطها إلا أثناء النوم (وهذا سر نوم الرضيع فترات طويلة كونه يمر بفترة نمو سريعة) .. كما يعتبر النوم مهما للدماغ الذي يعيد تنظيم نفسه وأرشفة معلوماته وتوجيه عملياته خلال هذه الفترة (وهذا سر استيقاظنا أحيانا وقد وجدنا حلا مفاجئا لمشكلة شغلتنا طويلا) .. أضف لهذا تعد فترة "الأحلام" مهمة من الناحيتين العقلية والنفسية كونها تعمل على تنفيس المشاعر وتوفيق المواقف (ومن هنا تشكل الأحلام الغريبة والكوابيس المزعجة التي يمكن اعتبارها عملية "كنس" للتجارب السالبة والمواقف السيئة) !!
وليس أدل على انتشار الأرق من محاولات الحد من وقوعه لدى شعوب العالم المختلفة .. ففي الهند مثلا ينصح المصاب بتحريك جسده إلى الأمام والخلف بحركة رتيبة (تشبه ما يفعله الأطفال عند تسميع القرآن) .. أما في أمريكا فينصح بالتثاؤب عمدا كونه يوحي للدماغ بحلول وقت النوم .. أما في فرنسا فينصح بترك سريره وغرفة نومه لأن الأرق حالة قد ترتبط بموقع النوم ذاته .. أما أكثر النصائح شعبية في العالم فتتعلق بشرب كوب حليب دافئ قبل النوم يمكن خلطه بالعسل كما يفعل الألمان.. وبطبيعة الحال لا ننسى نصيحة الرسول لزيد بن ثابت الذي اشتكى إليه الأرق فقال له : "قل اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم يا حي يا قيوم أنم عيني وأهدئ ليلي قال فقلتها فذهب عني" !!
منقول عن جريدة الرياض(((فهد عامر الاحمدي)))
ولا أخفي عليكم ، الاعتراف رسميا بوجود هذا المرض سبب لي أرقا مباشرا .. فكثيرا ما أقرأ أخبارا عن أشخاص لا ينامون على الإطلاق أو لم يذوقوا طعم النعاس في حياتهم، وفي كل مرة أفترض وجود تلفيق أو مبالغة بالخبر كون النوم مطلبا أساسيا للإنسان يستحيل العيش بدونه (وفي الحقيقة يموت الانسان بسبب قلة النوم قبل موته بسبب قلة الطعام)..
.. ولكن من جهة أخرى يجب أن نميز بين ادعاءات عدم النوم على الإطلاق، وبين الأرق أو النوم بشكل إغفاءات قصيرة.. فالأرق يعني التأخر في الدخول بالنوم (بعد وضع رأسك على الوسادة لأكثر من 20 دقيقة) ويتراوح بين حالات خفيفة، ومتوسطة، وشديدة قد تتواصل حتى الصباح ..
... وحتى وقت قريب كان معظم أسباب الأرق يُعاد لأسباب نفسية (مالم تكن نتيجة آلام مرضية كالتهاب المفاصل مثلا).. ورغم إمكانية وصف أدوية خاصة بالنوم إلا أن مشكلتها تكمن في إدمانها ووجود آثار سلبية لتركها (ناهيك عن منحنا نوعية غير جيدة من النوم لا تتضمن فترة الأحلام المهمة)..
وفي حال كان الأرق عرضيا ومؤقتا (كما يحدث مع معظم الناس) فلا يسبب أكثر من مشاكل سلبية عابرة ، أما في حال كان مزمنا ومتواصلا فيترتب عليه مشاكل عقلية ونفسية وجسدية قد تنتهي بالموت قبل أن يتاح لأي طبيب الكشف عليه أو لأي صحيفة الكتابة عنه (فسبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم) ! فخطورة الأرق تكمن في أن النوم (حالة تعويضية) نحتاجها لانجاز وتدارك عمليات جسدية وعقلية مهمة.. فهناك مثلا هرمونات كهرمون النمو لا تفرز أو لاتكون بأوج نشاطها إلا أثناء النوم (وهذا سر نوم الرضيع فترات طويلة كونه يمر بفترة نمو سريعة) .. كما يعتبر النوم مهما للدماغ الذي يعيد تنظيم نفسه وأرشفة معلوماته وتوجيه عملياته خلال هذه الفترة (وهذا سر استيقاظنا أحيانا وقد وجدنا حلا مفاجئا لمشكلة شغلتنا طويلا) .. أضف لهذا تعد فترة "الأحلام" مهمة من الناحيتين العقلية والنفسية كونها تعمل على تنفيس المشاعر وتوفيق المواقف (ومن هنا تشكل الأحلام الغريبة والكوابيس المزعجة التي يمكن اعتبارها عملية "كنس" للتجارب السالبة والمواقف السيئة) !!
وليس أدل على انتشار الأرق من محاولات الحد من وقوعه لدى شعوب العالم المختلفة .. ففي الهند مثلا ينصح المصاب بتحريك جسده إلى الأمام والخلف بحركة رتيبة (تشبه ما يفعله الأطفال عند تسميع القرآن) .. أما في أمريكا فينصح بالتثاؤب عمدا كونه يوحي للدماغ بحلول وقت النوم .. أما في فرنسا فينصح بترك سريره وغرفة نومه لأن الأرق حالة قد ترتبط بموقع النوم ذاته .. أما أكثر النصائح شعبية في العالم فتتعلق بشرب كوب حليب دافئ قبل النوم يمكن خلطه بالعسل كما يفعل الألمان.. وبطبيعة الحال لا ننسى نصيحة الرسول لزيد بن ثابت الذي اشتكى إليه الأرق فقال له : "قل اللهم غارت النجوم وهدأت العيون وأنت حي قيوم يا حي يا قيوم أنم عيني وأهدئ ليلي قال فقلتها فذهب عني" !!
منقول عن جريدة الرياض(((فهد عامر الاحمدي)))